﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾: يصدقرن بما غاب عن حسِّهم، مما أخبر عنه الكتاب الذي لاربب فيه.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ يؤَدونها في أوقاتها، كاملة الأركان والشروط.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾: ومما انعمنا عليهم يبذلون في سبيل الخير.
﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾: أي أولئك الموصوفون بما تقدم، متمكنون من هدى ربهم.
﴿وأولئك هم المُفْلِحُونَ﴾: أى بما يرجون، الناجون مما يكرهون.
[التفسير]
١ - ﴿الم﴾: افتتح الله بعض سور القرآن، بأَسماء بعض الحروف، وعددها ثمانيه وسبعون حرفا فى جملة السور. وهي تكرار لأربعة عشر حرفا في أوائل تسع وعشرين سورة، منها سورة البقرة هذه، وأولها: ﴿الم﴾.
وقد ذهب كثير من السلف، إلى أن معافى هذه الحروف وأغراضها، سر من الاسرار التي استأثر الله تعالى بعلمها، فتكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويل إِلا الله ﷿.
أما علماء الخلف، فقدحاولوا ببان المقصودمنها لأن القرآن جاء بلغة العرب ليفهموه، ومن أَحسن ما قيل في ذلك: إنها تشير إلى أَن القرآن، مكوَّن من كلمات أساسها هذه الحروف التي تنظمون منهَا -أيها العرب- كلامكم، ومع ذلك عجزتم عن أتأتوا بمثله، وفيكم الفصحاء والبلغاء. فإذا جاء به النبي الأُمى، فالله تعالى هو الذي أنزله إليه، ولم يأت به من عند نفسه، لأنه مثلكم في البلاغة وفي الفصاحة. فإذا كنتم عاجزين عن الإتيان بمثله، - وأَنتم أَئمة البلاغة، فهو مثلكم في ذلك العجز.
فالقرآن فوق مقدرة البشر جميعًا. ومن أَحسن ماقيل أيضًا: إن المشركين كانو اتضافروا، على ألا يسمعوا القرآن: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .. ﴾ (١) فكان النبي ﷺ يبدأ التلاوة بهذه الاحرف المنزلة، جاهرا بقراءته ليستمعوا إِلى القرآن الذي أعرضوا عنه. فهي- لغرابتها- أقوى في تنبيههم إلى استماعه من أن يقول لهم: استمعوا إليه.