نزلت هذه الآية وما بعدها حكاية لما وجهه نبي الله شعيب إلى قومه أصحاب الأيكة وهم أهل مدين على الصحيح - من الأمر بإيفاء المكيال والميزان والنهي عن التطفيف فيهما - كما مر بيانه كان قد شاع فيهم وانتشر بينهم سوءُ المعاملة في الأخذ والإعطاء، فكانوا إذا اكتالوا من الناس للشراءِ ونحوه يأَخذون مكيلهم وافيًا وافرًا، وإذا اكتالوا لهم للبيع ونحوه ينقصون مكيم، وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة:"أَوْفُوا الْكَيْلَ … ": أي إذا دفعتم إلى الناس الكيل فأتموا الكيل لهم ولا تعطوه ناقصًا لأنكم ملزمون أن تعطوه كما تأخذون كاملًا وافيًا بلا تفرقة بين الأخذ والإعطاء إحقاقا لشريعة العدل التي شرعها الله في المعاملة بين عباده.
والكيل للناس إما واف وهو مأمور به، وطفيف وهو منهى عنه، وزائد وهو مسكوت عنه، وتركه دليل على أنه إن فعله فقد أحسن.
﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾: أي يجب عليكم التزام العدل في الموزونات أَخذا وإعطاءً، وذلك بأن تزنوا بالميزان السوى حيث لا حيف فيه ولا ظلم.
والأَمر بوفاءِ الوزن وإِتمامه يشير ضمنًا إلى النهي عن النقص فيه دون النهي عن الزيادة، ولم يذكر النهي هنا اكتفاء بذكره صريحًا في الآية السابقة، لاتحاد الغرض في المأْمور به هنا والمنهى عنه في الآية السابقة، وهو الأَمانة في الكيل والميزان، وعن ابن عباس ﵄: أن معنى "وَزِنُوا … " الآية وعَدِّلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده، ويدخل فيها طلب العدل في الميزان المعروف دخولًا أوليا حتى يستقيم أَمرهم.