أي: هلكت وخسرت يدا أبي لهب، والمراد كله وجملته، وعبّر عن ذلك باليدين لأَن أكثر الأَفعال تزاول بهما، وهذه الجملة دعاء عليه.
وقوله تعالى:(وَتَبَّ) أي: قد أَجاب الله ذلك الدعاءَ وحققه بالفعل، وقد هلك وخسر، وهذا كقولهم: أَهلكه الله وقد هلك.
(وأبو لَهَب): هو عبد العزى بن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ وكان شديد العداوة له وللإسلام، أخرج الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن ابن عباس: لما نزلت "وأنذر عشيرتك الأقربين" صعد النبي ﷺ على الصفا، فجعل ينادي "يا بني فهر، يا بني عدي: لبطون قريش" حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطيع أَن يخرج أَرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال الرسول:"أَرأَيتكم لو أخبرتكم أَن خيلًا بالوادي تريد أن تُغِيرَ عليكم أَكنتم مُصَدقيَّ؟ قالوا: نعم؛ ما جربنا عليك إلَّا صدقًا، فقال: "إِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر الأيام أَلهذا جمعتنا؟ فنزلت، ويروى أنه مع ذلك القول أخذ بيده حجرًا ليرمي به رسول الله ﷺ.
ومن هذا يعلم وجه إيثار التباب على الهلاك ونحوه ممَّا تقدم؛ لإيغاله في عداوة رسول الله ﷺ، وإسناده إلى يديه، والتعبير بالماضي في الموضعين لتحقق الوقوع، قال الزمخشري: وذكر أبو لهب بكنيته -والأَصل في الكنية التكريم- قيل: لاشتهاره بها، وقد أُريد بها تشهيره بدعوة السوءِ وأن تبقى سمة له، وذكرهُ بكنية أَوفق بذلك، أَو لكراهة اسمه القبيح (عبد العزى)، أو لجعله كناية عن الجهنمي، كما يقال: أبو الخير، أبو الشر.
٢ - (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ):
(ما) استفهام في معنى الإنكار، أو ناقية، والمعنى: لم ينفعه ماله وما كسب بماله من الأَرباح والمنافع والوجاهة والأَتباع، أو ما نفعه ماله الذي أَورثه عن أَبيه والذي كسبه بنفسه