هذه الآية تتمة لمدح عباد الرحمن، وقد امتدحهم الله في الآيات السابقة بما تحلوا به من أُصول الطاعات، والاجتهاد في تحصيل الفضائل وامتدحهم في هذه الآية بالبعد عن فعل الكبائر، ومجافاتها، والتنصيص على تركهم هذه الكبائر بخصوصها لتهويل أَمرها، وتفظيع جرمها، وللتعريض بمشركي مكة الذين دأَبوا على ارتكابها وأَمعنوا في اقترافها.
والمعنى: أَن هؤلاء المؤمنين الذين شرفهم القرآن فأَضافهم إِلى الرحمن بالعبودية مخلصون في عبادته، فلا يشركون معه إِلها آخر على عادة المشركين الذين كانوا يشركون آلهتهم في العبادة مع الله، كما أَنهم لا يقدمون على قتل النفس الإِنسانية؛ التي حرم الله قتلها لأَي سبب من الأَسباب إِلاَّ بحق يقتضيه كحد أَو قصاص يقيمه السلطان عليها، وكذلك من فضائل صفاتهم أَنهم لا يقربون الزنى فإِنه يهتك الأَعراض، ويخلط الأَنساب، ويشيع الفاحشة الفساد، وقد صح عن ابن مسعود ﵁ قال: سأَلت رسول الله ﷺ أَي الذنب أَكبر؟ قال:"أَن تجعل لله ندًا وهو خلقك". قلت: ثم أَي؟ قال:"أَن تقتل ولدك خشية أَن يطعم معك". قلت: ثم أَي؟ قال:"أن تزانى حليلة جارك"، فأَنزل الله تصديق ذلك: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ … ﴾ الآية.
وقوله تعالى: - "وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ" أَي: ومن يفعل ذلك المذكور من الإِشراك، وقتل النفس، والزنى - كما هو دأب الكفرة - يلق في الآخرة عذابا شديدا لا يقادر قدره على إثمه، فالكلام على تقدير مضاف محذوف، أَي: يلق جزاء أَثامه.
٦٩ - ﴿يُضَاعَفْ (١) لَهُ الْعَذَابُ … ﴾ الآية.
أَي: أَنه تعالى يعذبه على ارتكاب أَي ذنب من هذه الذنوب عذابا مضاعفا إِذا كان معه الكفر، أَمَّا إِذا فعله غير الكافر فلا يضاعف عذابه، لقوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾، ومعنى: ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾: يقيم في هذا العذاب مهينا ذليلًا، يجمع إلى