أبرزت الآيات السابقة لَجَاج الكفار وعنادهم وإِصرارهم على الباطل ومُحَاولتَهم طَمْسَ الحقائق الواضحة التى ساقها الله لهدايتهم، وفى هذه الآية والآيات التالية يضرب القرآن مَثَلًا ساميًا لنبي من أَنبيائه، أَوحى الله إِليه وكلمه تكليمًا ورزقه علمًا ومعرفة، ومع هذا سعى جاهدًا ليتعلم ما لم يعلم، وتحمَّل في سبيل المعرفة ما تَحَمَّل من مشاق، وهو موسى ﵇.
والمعنى: واذكر لهم يا محمد قصة موسى ﵇ إذْ صَحب فتاه طالبًا لقاءَ العبد الصالح (الخضر)﵇ ليتعلم منه بعض ما لم يكن يعلم. وفتاه هو يوشع بن نون تابعه وتلميذه وخليفته من بعده كما ورد فى صحيح البخاري ومعهما مِكْتل (١) فيه حوت أعَدَّاه للطعام وأخبر موسى فتاه أنه لا يزال مُجِدًّا في السير حتى يصل إلى مكان العبد الصالح في مجمع البحرين، ولعل المراد بمجمع البحرين التقاءُ خليج العقبة بخليج السويس أو أحد فروع النيل السبعة القديمة بالبحر الأبيض في دلتا النيل، وعلى أي حال فتحديد المكان لا يتعلق به كبير غرض.
وانطلق موسى مع فتاه وقد عقد العزم أَن يواصل السير وإِن طال الزمن حتى يبلغه.
أي فلما وصلا إلى موضعٍ يَجْمَعُ بين البحرين نسيا حوتهما فاضطرب فى المكتل وقفز إلى الماء يشق طريقه فيه كأنما صنع الحوت لنفسه في الماء نفقًا، فقد صح من حديث الشيخين وغيرهما. "أن الله أَمسك عن الحوت جرْيَةَ الماءِ، فصار عليه مثل الطاق، قال الآلوسي: والمراد به: البناءُ المقوَّسُ كالقنطرة.
(١) وعاء مصنوع من الخوص يشبه الحقيبة يحمل التمر والطعام وغيرهما فيه.