لما بين الله - سبحانه - عظم شأن طَاعَة الله ورسوله، وذلك بإنذار المتمردين والخارجين عليها بالعذاب الشديد، وبشارة من قام بها وأَذعن لها بالحظ العظيم والفوز الكبير، أَتى عقب ذلك ببيان رفعة التكاليف الشرعية وإظهار عظمتها وخطرها وسمو منزلتها، فقال: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ أي: طلبنا من هذه المخلوقات العظيمة والكائنات الضخمة الكبيرة أَن يقمن بأضداء التكاليف الشرعية دون إلزام منا وقهر عليها، فأَبت وامتنعت عن القيام بهذه المسئولية الجليلة، ولم يكن إباؤُها وامتناعها عن تمرد وعصيان، كإباءِ إبليس حينما أَبي السجود لآدم، إذ كان إباؤُه عن استكبار واعتراض وتمرد على أَمر الله قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (١). وإنما كان إباؤُها عن خوف وإشفاق من أَنها لا تستطيع أَداءَها على وجه يرضى عنه ربها وخالقها.
والمراد بالأَمانة التكاليف الشرعية الشاملَة لأَمانات الناس وعرضها على السموات والأَرض والجبال وامتناعها من قبول التكليف بها تمثيل لصعوبة الالتزام بأَدائِها فأَشفقن منها لذلك.
وقال القفال وغيره: العرض في هذه الآية ضرب مَثَلٍ، أَي أَن السموات والأَرض على كبر أَجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب، أَي أَن التكليف أَمر حقه أن تعجز السموات والأَرض والجبال. وقد كلَّفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل، وهذا كقوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى