قل أَيها الرسول لمن كذبوك في رسالتك، وكفروا بالساعة التي يبعث فيها الناس لرب العالمين - قل لهم -: أذلك الذي نقدم من السعير وأهوالها وخلود الكافرين فيها، وتمنيهم الهلاك والموت ليستريحوا منها - أَذلك خير - أَم جنة النعيم الخالد التي وعدها الله المتقين الذين صانوا أَنفسهم وجعلوها في وقاية من عذابها الأليم الدائم، بإيمانهم وصلاحهم، كانت لهم هذه الجنة في علم الله تعالى وفي وعده على ألسنة رسله - كانت لهم - جزاء على إِيمانهم، ومنتهى يصيرون إليه بصلاحهم.
هذه الآية مستأنفة لبيان منهج انتفاع المتقين بنعيم الجنة، وكأنها جواب سائل يقول: ما لهم إِذا صاروا إليها وسكنوها؟
والمعنى: لهؤلاء المتقين في هذه الجنة التي يصيرون إِليها، ما يشاءون من ألوان النعيم المناسبة لهم، على قدر أَعمالهم ودرجتها، حتى لا يتساوى المقصرون بالكاملين، فكل طبقة تقتصر مشيئتها على ما هو حق لها بمقتضى وعد الله الكريم، فلا تمتد رغباتهم إلى ما هو حق لغيرهم، يظلون في جنتهم خالدين لا يَخْرُجون منها ولا يُخرجُون، كان ذلك النعيم المقيم موعودا حقيقًا أن يُسْأل ويطلب، لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون.
ويجوز أَن يكون الموعود مسئولًا حقيقة على معنى أن الناس يسألونه في دعائهم بقولهم: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ وقال سعيد بن هلال: سمعت أَبا حازم ﵁ يقول: إذا كان يوم القيامة يقول المؤمنون: عملنا لك بما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا، فذلك قوله تعالى: ﴿وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق أَبي سعيد هذا، عن محمد بن كعب القرظى أنه قال في الآية: إن الملائكة لتسأل ذلك في قولهم: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ … ﴾.
والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره ﷺ، لتشريفه والإشارة إلى أَنه هو الفائز بهذا الوعد لأمته، والآية تدل على وجوب تحقق وعده الكريم بمقتضى