أي: صدقوا واعتقدوا بأن الله ربكم وأن محمدا رسولكم؛ لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال الصالحة، وأنفقوا وتصدقوا من أموال الله التي في أيديكم وقد أعطاكم وموّلكم إياها تستمتعون بها، وجعلكم خلفاءَ في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلاَّ بمنزلة الوكلاء والنواب، ويسهل عليكم الإنفاق والبذل منها في سبيل الله كما يسهل ويهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له فيه، أو أنه - سبحانه - جعلكم في هذا المال خلفاء من الذين كانوا قبلكم من الوالدين والأقارب والأزواج، وورثكم إيَّاه فاعتبروا بحالهم، حيث انتقل منهم إليكم وسينقل منكم إلى الذين بعدكم، فلا تبخلوا وانفعوا - أنفسكم بالإنفاق منها. قال الإِمام أحمد: حدثنا محمَّد بن جعفر، حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن مطرف عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يقول: "ألهاكُمُ التكاثر، يقول ابن آدم: مالي مالي وهل لك من مالك إلاّ ما أكلتَ فأفنيْتَ، أو لبسْتَ فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" ورواه مسلم وزاد "وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركُهُ للناس".
﴿فالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي: فالذين صدقوا وآمنوا بربهم ورسوله وأنفقوا مما منحهم الله وجعلهم مستخلفين فيه، لهم أجرٌ عظيم جليل في منزلته، وكبير في مقداره وهو الجنة، ويا له من جزاء حسن كبير.
جاء هذا القول الكريم للإنكار عليهم وتوبيخهم على ترك الإيمان أي: وأيّ عذر لكم في ترك الإيمان بالله، والحال أن الرسول ﷺ بين أظهركم يدعوكم إليه وينبهكم عليه ويبينه لكم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ وهو ما كان من إخراجهم من