أَي: إِنا سنوحي إِليك باقتراض قيام الليل قولا ثقيلا يثقل حمله، لأَن مِنْ شأن الذي يقوم به أَن يجهد بذلك وينوء بحمله، لأَن الليل وقت الإِخلاد إلي الراحة والنوم، فمن أَمر بقيامة لم يتهيأ له ذلك إِلا برياضية شديدة لنفسه وتذليل وقهر لها، ومجاهدة للشيطان، وقيل: إِنا سنوحي إِليك القرآن العظيم وهو ثقيل بثقل العمل بشرائعه وأَحكامه ووعده ووعيدة وحلاله وحرامه، أَو أَنه ثقيل، أَي: مبارك في الدنيا على صاحبه ويثقل ميزانه يوم القيامة، وقيل: ثقيل تلقيه؛ فقد روي عن عائشة ﵂"أَن النبي ﷺ كان إِذا أَوحي إِليه وهو على ناقته وضعت جِرانها (١) فما تستطيع أَن تتحرك حتى يُسرَّى عنه" أَي: الوحي، وتلت قوله تعالى:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا). كما روى الشيخان ومالك وغيرهم أَنها قالت:"لقد رأَيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإِن جبينه ليتفصد عَرَقًا" هذا، وإِن النص القرآني الكريم ليتسع لذلك كله ولغيره.
أي: إِن قيام ساعات الليل وإِحياءَها بالعبادة من ذكر صلاة وتفكر وتدبر، أَو: إِن العبادة التي تحدث وتنشأُ في الليل هي أَشد وأَثقل على القائم ليلة من عبادة النهار؛ لأَن القائم في الليل يجاهد نفسه ويهجر مهده، ويتجافى عن المضجع جنبه، وهي كذلك أَصواب قولا وأَحسن لفظًا؛ لأَن الليل فيه تهدأ الأَصوات، وتنقطع الحركات، ويخلص القول ويفرغ
(١) الجران: مقدم عنق البعير من مذبحه إِلى منحره، فإذا برك ومد عنقه على الأرض قيل: ألقى جرانه بالأرض.