للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهنا سؤَال و هو: أنه يؤْخذ من الآية أَن إيمانهم كان بالإِلجاءِ والإِكراه، وهذا ينافى التكليف الذي يقوم على الاختيار، فهو الذي يكوِّن العقيدة الصحيحة المبنية على الإِقناع، ولهذا قال تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ … " (١). وقال لنبيه وكان حريصًا على إيمان الناس: " … أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (٢).

والجواب: أَن الاختيار كان موكولا إليهم في كل عروض الإِيمان عليهم، فلما لم يمتثلوا، كانت آيات التخويف لهم بمنزلة مشروعية القتال للكفار، لإصلاح حالهم مع الله تعالى، فإن الحكمة تدعو إلى الأَخذ بالقوة إذا فشل النصح والإِرشاد، ولهذا ينبغى أَن يؤَدب الوالد بالقوة ابنه المعوج السلوك، الذي لم يُجْدِهِ تكرار النصح، حتى لا يستمر فساده.

ومعنى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: أي بعد أَخذ الكتاب بقوة، ادرسوا ما فيه وداوموا على تذكره، حتى يرسخ في قلوبكم، فإِذا فعلتم ذلك، صفت قلوبكم، وارتقت في السلوك إِلى ربكم، حتى تكونوا في مقام الرجاءِ والاطمئنان، لاتخاذ وقاية من غضب الله.

وفي الآية دليل على أَن مجرد العلم غير كاف. بل لابد من الدراسة والمتابعة حتى يكون تذكر الإنسان للعلم من دوافع العمل بما علم، فإذا فعل وطبق علمه على عمله، كان ذلك كفيلا بالوصول إلى مقام التقوى التي هى خير الزاد كما قال تعالى: " … وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" (٣).

﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٤)﴾.

[المفردات]

﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾: أعرضتم عن الوفاء بالعهد.

﴿لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: أي من المعاقبين، بسبب نقضكم للعهد.


(١) البقرة -من الآية: ٢٥٦
(٢) يونس -من الآية: ٩٩
(٣) البقرة -الآية: ١٩٧