ثم أرسل الله من بعد نوح رسلا كراما كثيرين إلى أَقوامهم، لكل قوم رسولهم الخاص بهم، فجاءُوهم بالمعجزات الواضحة الدالة على صدقهم في التبليغ عنه سبحانه، فما حدث لقوم من أقوامهم أن يؤمنوا في آخر دعوته بما كذبوا به من قبل في أَول دعوته، فلم ينفعهم دوام "تذكيرهم"، ولا تواتر البينات الظاهرة والمعجزات الباهرة عليهم.
ويجوز أَن يكون معنى ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾: فما كانت كل أَمة منهم لتؤمن برسولها بسبب تعودهم تكذيب الحق قبل بعثة رسولهم الخاص بهم إليهم، فقد كانوا في فترات الرسل يسمعون من بقايا الأُمم قبلهم أَن مرسلين أُرسلوا بالتوحيد قبلهم، فلما عصوا أُهلكوا، فكانوا يكذبون ذلك، ثم كانت حالتهم بعد مجئِ الرسل إليهم، كحالتهم قبل ذلك كأَن لم يبعث إليهم أَحد.
﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾: والطبع في اللغة معناه الختم، وقد استعمل في الآية مجازًا عن التخلى والخذلان حتى صارت قلوبهم كأنها مغلقة ومختومة ومطبوع عليها.
والمعنى: مِثلَ ذلك الخذلان والتخلى عن معرفة هؤُلاء الكافرين فيستمرون على كفرهم يتخلى الله ويخذل جميع المعتدين المتجاوزين لحدود الله، فيبقون فيما هم فيه من عدوان، وذلك لانهماكهم في البغى والضلال، وإعراضهم عن الهدى والرشاد، ولو أنهم تدبروا آياته، وفتحوا قلوبهم للنظر السديد، لأعانهم الله وبصرهم فكانوا من المهتدين.