بينت الآيات السابقة في مستهل هذه السورة شيئًا من أحوال الكافرين، والمؤمنين، ووعدت المؤمنين بالنصر والتمكين في الأرض، والتثبيت على محجة الإسلام، إذا نصروا الله ورسوله ونَعَتْ على الكافرين كفرهم وما يجرى عليهم من التعس والخسران وبطلان الأعمال، ثم جاءت هذه الآية التي تدعو إلى النظر في عاقبة الأمم السابقة التي سلكت مسالك الكفر فوقعت في متاهات الضلال.
والمعنى: أقَعَدَ هؤلاء الكفار فلم يسيروا في نواحى الأرض، ولم يضربوا في مناكبها فيروا عاقبة الذين كانوا من قبلهم على مثل حالهم من الكفر والعناد، وما نزل بهم من عذاب، وحلَّ بديارهم من تدمير وخراب؟! أهلكهم الله ودمر عليهم كل ما لهم من أموال ومنازل. ولكم - أيها الكافررن - أمثال ما لهؤلاء السابقين فإنكم جميعا في الكفر سواء.
ووضع الظاهر موضع الضمير لإبراز الجزاء مع الإشارة إلى استحقاقه بذكر سببه.
أي: ذلك الجزاء الذي مضى به قضاء الله، وجرت عليه سنته من تدمير الكافرين، واستئصال المفسدين مع نصر الموحدين والتمكين للطائعين - ذلك كله - جار على سنة أنه - تعالى - ولى المؤمنين يهديهم وينصرهم، ويصلح حالهم، وأن الكافرين ضائعون، لا ناصر ينصرهم، ولا معين يعينهم أو يدفع عنهم.
ولا يخالف هذا قوله - تعالى -: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ (١) فإن المولى فيه بمعنى المالك، وفي الآية التي نحن بصددها بمعنى الناصر.