إن الله واسع العلم، لا يخفى عليه شيءٌ كائن في الأرض ولا في السماء، لعلمه بما يقع في العالم من كُلِيٍّ أو جُزْئِيٍّ، فهو العالم بما كان وما يكون، وهو مطلع على كُفْر مَنْ كَفَرَ بآيات الله، وإيمان من آمن بها. وهو مجازيهم عليه، والمسيحيون يؤمنون بألوهية عيسى غافلين عن أنه بشر محدود المعرفة فكيف يكون إلها؟
وعبر عن علمه - تعالى - بذلك، إيذانًا بأن علمه - سبحانه - بالكائنات - ولو كانت في أقصى غايات الخفاء - ليس من شأنه أن يكون فيه شائبة خفاء بوجه من الوجوه، بل هو في غاية الوضوح والجلاء.
والآيتان رَدٌّ على نصارى نجران في دعواهم أُلوهية عيسى. ووجه الرد: أن الإله هو الذي لا يخفى عليه شيٌ ما: في الأرض ولا في السماء. وعيسى - كخلق الله - يخفى عليه ما لم يُعْلِمْهُ اللهُ إياه. فلا يصلح أن يكون إلها.
والله هو الذي يصور الخلق في الأرحام كيف يشاءُ. وعيسى لا يقدر على ذلك. بل صَوَّره الله في رحم أمه كسائر خلقه فهو مخلوق لا خالق. ومن كان كذلك - لا يصلح أن يكون إلها.
كما أن الآية الثانية كالدليل على أن الله لا يخفى شيءٌ في الأرض ولا في السماء. فإن من صور الأجنة في الأرحام، لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فمفهوم هذه الجملة كالنتيجة لما قبلها. فكأنه قيل: ومن كان لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء - وجب أن ينفرد بالألوهية، فلا يشاركه فيها وَلَدٌ أوْ غيره. وأن يكون هو العزيز الذي يغلِب ولا يُغلَب، الحكيم في صنعه وتدبيره.