قال ابن العربى: فإن قيل: لأَي معنى قال له: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ وقد أَخبره الله أَنها زوجه؟
قلنا: أراد أن يختبر منه ما لم يُعْلِمْه الله من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأَبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها، فإن قيل: كيف يأْمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه - وهذا تناقض - قلنا: بل هو صحيح لإِقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله - تعالى - يأْمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن، فليس لمخالفة الأَمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأَمر به عقلًا وحكمًا، وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه.
[فخر زينب بتزويج الله إياها]
ولقد صح من حديث البخاري والترمذي أن زينب ﵂ كانت تفخر على أزواج النبي ﷺ تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كانت تقول للنبي ﷺ: إني لأُدِلُّ عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تُدِل بهن: أن جدى وجدك واحد، وأنى أنكحك الله إياى من السماءِ، وأن السفير لجبريل ﵇ تعنى سفارته بين الله تعالى - وبين رسوله ﷺ.
المعنى الإِجمالى للآية: واذكر - أيها النبي - حين تقول لزيد بن حارثة الكلبي الذي أَنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق والرعاية والتبنى ومختلف فنون الإحسان، أمسك عليك زوجك زينب ولا تطلقها، واتق الله فيما تقوله عنها فلا تذمها بالكبر وإيذاء الزوج، وتخفى في نفسك أنك مأْمور بتزوجها مع أَن الله سيبديه ويظهره علنًا، وتخشى لائمة الناس لو قلت له طلقها، إذ يقولون: أمر رجلًا بطلاق امرأته، ثم تزوجها بعد أن طلقها، والله - تعالى - أحق أن تستحيى منه وتخافه فلا تأْمر زيدًا بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك، فلما قضى زيد منها حاجة فطلقها زوجناكها بعقد شرعى لكي لا يكون على المؤمنين