للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٢٦ - ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾:

بعد أن أمر الله المسلم بأداء حقوق الوالدين أمر - سبحانه - برعاية الأقرباء وذوي الأرحام بالنفقة الواجبة والعطاء والصلة، فإن ذلك يديم الود ويبقي على التراخم، كما أمره أن يشمل بره وفضله إخوته في الإِسلام والإنسانبة، فيحنو على مسكينهم يخفف عنه شدة الحياة ولأوَاءها، بمنحه مما أفاء الله عليه ما يقيم به أوده ويسد خلته، ويبقى على إنسانيته غير ذليلة ولا مهينة، كما يمتد عطاؤه إلى ذلك الإنسان الذي انقطعت به سبيل الحياة، ونأى عن أهله وماله، أصبح غير معروف لأحد بنسب أو قرابية سوى أنه ابن للطريق الذي يسير فيه، يعطي هذا المُنْبتَّ ما يبلغه أهله ووطنه رحمة به وتوطيدًا للأخوة، وبذلًا للمعروف واستجابة لداعي المروءة، بهذا قد حدد الله لنا مجال البر وإطار الخير، فلا خروج عنه إلا إلى مباح في اعتدال، إذ لو جنح صاحب المال عما أمر الله وأحل، فإنه يكون مبذرًا، ويصير من إخوان الشياطين، كما قال الله تعالى:

٢٧ - ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾:

يعني أن المبذرين الذين يصرفون أموالهم في المعاصي، الترف الواسع، يشبهون الشياطين ويماثلونهم ويتأسَّون بهم وكفران النعمة لصرفها فيما حرم الله، يتلفونها في ترفهم وينسون المبرات، فإذا ساروا على طريقتهم هذه لم يرجعوا يرجعوا إلى ما شرعه الله، حشروا في النار مع قرنائهم وأمثالهم من الشياطين الذين يسيرون وفق إغوائهم، ويسلكون سبيلهم، والجزاء من جنس العمل.

﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾: أي أن الشيطان دأب على كفران النعم، حيث إنه يصرف القدرة التي منحها الله له إلى المعاصي والإفساد في الأرض وإضلال الناس، وكان حقها أن تصرف فيما خلقت له، في عبادة ربه وطاعة مولاه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ فاحذروا أن تتشبهوا بالشياطين في الجحود والكفران، حتى لا تكون عاقبتكم البوار والخسران كَعاقبتهم.

٢٨ - ﴿وَإِمَّا (١) تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾:

أي وإن أعرضت وملت عن هؤُلاء الأقارب والمساكين وأبناء السبيل فلم تحقق لهم


(١) إما مركبة من إن الشرطية وحرف ما. والغرض من وصل (ما) بإن الشرطية هو تقرير الشرط وتقويته.