للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذكره صاحب المختار.

﴿الْمُجْرِمُونَ﴾: المذنبون، والجرْم والجريمة: الذنب.

[التفسير]

٧٨ - ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي .... ﴾ الآية.

لما نصح أتقياءُ بني إسرائيل قارونَ بأن يحسن الإنفاق من ماله كما أحسن الله به إليه، ظن أنهم يصفونه بأنه أوتيه إحسانًا عليه بغير سبب يقتضيه، فرد عليهم بقوله: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ واختلف في تفسير هذا العلم، فقيل: إنه علم التوراة فإنه كان أعلم بني إسرائيل بها، وقال أبو سليمان الداراني: علم التجارة ووجوه المكاسب، وقيل: علم استخراج الكنوز والدفائن، وقيل: علم الكيمياء، فكان يحول الرصاص والنحاس ذهبًا، ورده العلماء بأن فيه دعوى قلب الحقائق، وذلك لا يكون إلاَّ لله - تعالى - ولم يثبت حدوثه منه بطريق صحيح، وما يشاع بين العامة من إمكان ذلك، إنما هو من باب الأراجيف التي لم تثبت في الواقع، بل هي من باب الصبغ والتزييف (١).

وقال الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسيرها: إنما أُوتيتُه على علم من الله باستحقاقي إياه، فلولا رضاه عني وعلمه بفضلي ما أعطانيه، وكلمة ﴿عِنْدِي﴾ على هذا الرأي معناها: في ظني واعتقادي (٢) وقد رد الله عليه بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾:

أي: أجَهِل قارون فبغى على قومه وأفسد في الأرض، ولم يعلم أن الله - تعالى قد أهلك من قبله من الأُمم الخوالي من هو أشد منه قوة في الآلات، وجمعًا للأعوان والأنصار والأموال، ولا يسأل عن ذنوبهم المذنبون سؤال استعلام أو معاتبة واسترضاء، وإنما يُسأَلون سؤال تقريع وتوبيخ، لقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فكيف جهل قارون ذلك فأَفسد وبغى وزعم أنه أوتى كنوز المال استحقاقًا؟


(١) راجع ابن كثير.
(٢) و (عندي) - على هذا - خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذا عندي وفي اعتقادي، أما على ما تقدم فهو صفة لعلم.