فى الآية السابقة أمر الله رسوله ﷺ أن يعلن قرآن ربه ويتلوه على الناس مؤمنهم وكافرهم، وجاءت هذه الآية آمرة له أن يهتم بفقراء المؤمنين ويحرص عليهم، ويدع حرصه على إيمان وجهاء الكافرين، ولا يسمع ما اقترحوه في حق هؤُلَاء الفقراء، فإنهم غير جادين فيما زعموه من الرغبة في الإيمان. وسبب نزول هذه الآية: أن زعماءَ كفار قريش كأُمية بن خلف وغيره من صناديدهم: قالوا لرسول الله ﷺ: لو أَبعدت هؤُلاء الفقراء عن نفسك لجالسناك، فإن ريح جبابهم تؤْذينا فنزلت هذه الآية، وكانوا يقصدون إبعاد أهل الصفة من الفقراء المنقطعين للعبادة، والتلقي عن الرسول ﷺ، كعمار وصهيب وابن مسعود وبلال، والآية على هذا مكية، وهو الذي رجحه أبو حيان، ويؤَيده ما أخرجه ابن مردويه من طريق جبير عن الضحاك عن ابن عباس، كما تؤَيده الآيات التي بعده وهو المناسب للسورة فهي مكية. وهذا يخالف ما أخرجه ابن مردويه وأَبو نعيم فى الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله ﷺ، عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فقالوا:(يا رسول الله: لو جلست في صدر المجلس، وتغيبت عن هؤُلاء وأرواح جبابهم -يعنون سلمان وأَبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف، جالسناك -أو حدثناك- وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ يتهددهم بالنار) وعلى هذا تكون تلك الآيات مدنية في وسط السورة المكية، والظاهر الأول لما قدمناه