كان رسول الله ﷺ في دعوة قومه إلى الحق ويبذل في ذلك جهده، وهم لا ينفكون عن شركهم، بل يتوغلون في غيهم وتعاميهم عمَّا يشاهدونه من شواهد النبوة، ويَتَصامون ويتعامون عن بينات القرآن، فهم كالصم العمى، فنزلت هذه الآية لتسلية النبي ﷺ عن همه وضيقه لعدم استجابتهم.
ومعنى الآية: أفي قدرتك هداية هؤلاء المعاندين، فأنت تسمع الصم الذين لا يسمعون أو تهدى العمى الذين لا يبصرون ومن كان في بعد عن الطريق المستقيم، أن ذلك ليس لك أيها النبي، بل هو لله العلى القدير، فهو الذي يرد السمع للصم الذين لا يسمعون ويرد البصر للعمى الذين لا يبصرون، ويهدى أهلَ الضلال إلى الصراط المستقيم، فلا يضق صدرك بتصاممهم وتعاميهم وضلالهم، فقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة على أتم وجه، فما عليك إلا البلاغ المبين، وقد فعلت.
أي: فإما أن نقبضك إلينا - كما تمنوا - قبل أن نُبَصِّرك عذابهم، ونشفى بذلك صدرك وصدور المؤمنين فإنا لا محالة منهم منتقمون في الدنيا والآخرة، أو نتركك حيًّا نُبَصِّرك بالعذاب الذي وعدناهم فإنا عليهم من مقتدرون، بحيث لا مناص لهم من تنفيذ وعدنا ولا ملجأ يقيهم من قدرتنا وقهرنا.
وهكذا كان، فإنه لم يفلت أحد من صناديدهم في غزوة بدر وغيرها إلاَّ من اعتصم بالإيمان.
(١) أصلها فإن ما فأدغمت النون في الميم، ولفظ (ما) للتوكيد، وهي تقتضى توكيد الفعل بعده ابن بنون التوكيد مثل لام القسم، نحو: لأصومن، وما يعطف على فعلها يؤكد مثله، ولذا أكد نتوفى في قوله تعالى: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ من الآية: ٧٧ من سورة غافر.