للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

١٠٨ - ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾:

تتحدث هذه الآية الكريمة عن الفريق الثاني من أهل الموقف في يوم مجموع له الناس ومشهود، وهو فريق السعداء بعد أن تحدثت الآيتان السابقتان عن فريق الأشقياء من الكلام في معنى ما دامت السموات والأرض هنا، كالكلام في مثله في الفريق الأول.

أَما قوله ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ فإِنه يوهم أَن خلود السعداء في الجنة ينقطع ولا يدوم حينما يشاءُ الله قطعه، وهذا يتنافى مع التصريح بعدم قطعه في قوله سبحانه: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾: كما يتنافى مع آيات كثيرة ناطقة بأَبدية النعيم في الجنة لهم، وقد أُجيب عن ذلك بعدة أجوبة، منها أن اليوم المشهود يبدأ من البعث، وأَن السعداء لا يدخلون الجنة حين بعثهم، فإنهم كغيرهم يحشرون للموقف، ويحاسبون، ثم ينعم الله عليهم بدخول الجنة بعد أَن يقضى لهم بذلك عدالة منه وفضلا ورحمة، فالوقت الذي قضوه في اليوم المشهود قبل دخولهم الجنة، فهو المستثنى بقوله ﴿إلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ ولا يضر هذا المعنى أن الاستثناءَ وقع من أول اليوم لا من آخره، كما تقول جلست في البُستان يوما إلا ثلاث ساعات من أَوله، فإِنه تعبير صادق وسليم من الناحية اللغوية.

ومنها أَن الاستثناء بالنسبة إِلى الوقت الذي ينقلون فيه من نعيم الجنة إِلى ما هو أعلى منه، من الفوز برضوان الله الذي هو أكبر من الجنة، كما قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ (١). ولهم أيضا ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه، قال الزمخشرى: والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ (٢).


(١) التوبة من الآية (٧٢).
(٢) انظره في الكشاف تعليقا للزمخشرى عل قوله تعالى في حق الكفار: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ فقد تعرض في كلامه فيها إلى ما يماثلها في حق المؤمنين هنا.