بعد أَن حكى القرآن الكريم طائفة من جرائم المنافقين ووعيد الله لهم بالعذاب بالنار وحكى مشابهتهم لمن قبلهم في النفاق وتوعدهم بالعقاب انتقل في هذه الآية إِلى توبيخهم على عدم اعتبارهم بإِهلاك من قبلهم حين كذبوا برسلهم فقال تعالى:
والمعنى: أَلم يصل إِلى علم هؤُلاءِ المنافقين والكافرين خبر الذين كفروا من قبلهم، الجدير بأَن يكون عبرة لهم ولغيرهم كما يتضح مما يأْتى: وهؤُلاءِ هم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إِبراهيم وأَصحاب مدين والمؤْتفكات.
﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾: أَي جاءَ كل رسول قومه بالآيات الظاهرة والحجج الواضحة، الدالة على وحدانية الله، الشاهدة بصدق رسالته، فلم يؤْمنوا، وكذبت كل أُمة برسولها، وآذته، فأَهلكهم الله بذنوبهم، وما كان الله ليعذب أَحدًا بغير ذنب.
أَي فما صَحَّ وما استقام في سنة الله في خلقه أَن يعاقبهم بغير ذنب فيظلمهم بذلك، ولكن هؤُلاءِ الطغاة ظلموا أَنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان، حيث عرضوها بذلك لأَشد العقاب، وظلم النفس أَشدُّ أَنواعِ الحمق والقبح.
وقد أَهلك الله قوم نوح بالطوفان، وعاد - وهم قوم هود - بالريح العقيم، وثمود - وهم قوم صالح - بالرجفة، وعاقب قوم إِبراهيم بنصره عليهم والانتقام منهم، وأَصحاب مدين - وهم قوم شعيب - بالنار يوم الظلمة.
(والمؤْتفكات): أَي المنقلبات هي قرى قوم لوط التي قلبها الله عليهم، فجعل الله عاليها سافلها، وأَمطر عليهم حجارة من سجيل؛ والأُمم المعاقبة أَكثر من هذه الست، ولكنه تعالى اقتصر عليها لأَن آثارهم وبلادهم بالشام والعراق واليمن وهي قريبة من أَرض العرب فكانوا يقرون عليها ويعرفون أَهلها.