للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

١٠٣ - ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ الآية.

بعد أَن نهى الله عن تحريم ما أَحل من الطيبات. وعن الاعتداء ومجاوزة الحد فيما، أحل أَو حَرم.

وبعد أَن نهى عن كثرة السؤال كما قد يؤَدي إِلى مساءَلتهم وتكليفهم - بعد كل هذا - ناسب أن يُبيِّن ضلال أَهل الجاهلية، فيما حَرَّمُوه على أَنفسهم وما شرعوه، مما لم يأذن به الله تعالى، وفيما قلَّد فيه بعضهم بعضا، مبينا بطلان التقليد، وأَنه يتنافى مع العقل، والعلم، والدين الصحيح. فقال تعالى:

﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾:

هذا رَدٌّ وإِنكار لما ابتدعه أهل الجاهلية. وهو أَنهم كانوا إِذا نتِجت الناقة خمسة أَبطن - آخرها ذكر - بحروا أُذنها. أي شقوها. وخلَّوْا سبيلها، فلا تُركب ولا تُحلب. وكان الرجل منهم يقول: إن شُفيتُ، فناقتي سائبة. ويجعلها كالبحيرة: في تخلية سبلها، وإن ولدت ذكرا وأُنثى معا. قالوا: وصلت الأُنثى أَخاها فلا يُذبَحُ الذكر. وإِذا نتِجَت من صلب الفحل عشرة أَبطن. حرموا ظهره، ولم يمنعوه من ماءٍ ولا مرعى. وقالوا: قد حَمىَ ظهره.

فمعنى قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾:

أي: ما شرع الله ذلك ولا أَذِنَ به. وإنما هو مبتدع مختلق من عندهم.

﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾:

إذ يفعلون ما يفعلون ويزعمون - زورًا - أن الله تعالى يأمرهم به.

وأول من سنَّ لأَهل الشرك تلك السنن الباطلة المنكرة، ونسبها إلى الله. هو عمرو بن لُحَىِّ الخزاعى، فهو الذي غير دِينَ إِبراهيم وإسماعيل، وبَحَر البحيرةَ وسيب السائبة.

وحمى الحامى. وزعم أَن ذلك شَرْعُ إِبراهيم .