للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٧٠ - ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾:

يحكى الله فى هذه الآية بعض عجائب قدرته وسلطانه فى الإنسان، بعد أن بيَّن عجائب إبداعه وحكمته. فى إنزال الماء من السماء، وإحيائه الأرض بعد موتها، وعظيم العبرة فى الأنعام حيث أخرج لنا من بين فرثها ودمها لبنا خالصا سائغا للشاربين، وبليغ حكمته ونعمته فى (النحل) حيث ألهمها تدبير رزقها ومساكنها العجيبة وأخرج لنا من بطونها شرابا مختلف الألوان كثير المنافع للأبدان، والحكمة فى بيان هذه الآيات توجيه العقول إلى الإيمان بمبدعها، وأَنه قادر على إحياء من في القبور.

والمعنى: والله -تعالى- خلقكم فأحسن خلقكم؛ ورباكم فأحسن تربيتكم، ولم يجعل حياتكم فى دنياكم إلى بقاء بل أعدها إلى فناء، ففي أَول نشأتكم على وجه الأرض تنمون ثم تَشِبون، ثم يتوقف نموكم عندما يكتمل شبابكم، ولكنه يحفظ عليكم فتوَّتكم وقوتكم إلى أن تصلوا إلى سن الكهولة (١) فتضعف قُوَاكُم آنا بعد آن، ويتدرج ضعفكم حينا بعد حين، حتى إذا أطلت الشيخوخةُ بأعبائها، حل على أجسادكم الانحطاط الكبير، وعلى عقولكم الوهن الخطير، فتصبحون في أرذل العمر، وأخسِّ مراتب الحياة، فلا تعلمون من بعد علم شيئا، إِذ تنسون ما كنتم تذكرون ولا تحفظون ما تتعلمون، وفى أثناء هذه الحياة منكم من يتوفاه الله فى طفولته، ومنكم من يميته في شبابه، وبعضكم يأخذه فى كهولة، وآخر يرحلُ إليه فى شيخوخته، ولا يرتبط ذلك كله إلا بإِرادة العليم الخبير، فلا يستطيع حكيم أَن يتحكم فى أجله ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (٢).


(١) الكهل: من أصابه الشيب، وعرفه بعض اللغويين بأنه من جاوز الثلاثين إلى الخمسين والهرم بوزن الكرم أقصى الكبر، ومن يوصف به فهو هرم، وفعله هرم كفرح، والشيخوخة تبدأ من الحادية والخمسين، وتنتهي آخر العمر، والهرم داخل فيها، راجع تلك المواد فى القاموس وغيره.
(٢) بعض الآية الأخيرة من سورة لقمان.