وليس لمراتب العمر سن معينة، فقد تأتي الكهولة أَو الشيخوخة فى سن الشباب، فكم من شبابٍ شابوا وانحطت قواهم وضعفت ذاكرتهم، ومفتاح هذا كله وعلمه عند الله رب العالمين، ولهذا ختم الله الآية بقوله جل ثناؤه.
(إن اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ): أى إِنه تعالى واسع العلم بمقادير أَعماركم، عظيم القدرة على إحيائكم وإماتتكم، وهو صاحب المشيئة المطلقة فإن شاء أمات الشاب النشيط وأَبقى الشيخ الفاني، وإن شاء أجرى الأُمور على ضوابط مطردة، فالحكم لله العلى الكبير.
واعلم أن النبى ﷺ كان يتعوذ من عدة أُمور منها الهرم حيث يحل أَرذل العمر، ففى صحيح البخارى عن أَنس بن مالك قال:
كان رسول الله ﷺ يتعوذ فيقول:"اللهم إِنِّى أعُوذْ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأَعوذُ بِكَ مِنَ الهرمِ، وأعوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ".
بيَّن الله تعالى فى الآية السابقة دلائله ونعمه فى خلقنا وتفاوتنا فى آجالنا وعلومنا، وجاءت هذه الآية لبيان فضله فى رزقنا، وأننا لا نرضى أن نسوى بيننا وبين ممالِيكِنا فيه، فكيف يرضى المشركون أن يسووا بينه -سبحانه- وبين خلقه فى الأُلوهية، فيشركوهم معه فيها، ويعبدوهم أَكثر مما يعبدونه.
والمعنى: والله جعلكم متفاوتين فى الرزق والنعمة، إذ جعل بعضكم غنيا والآخر فقيرًا، وبعضكم سيدًا والآخر مملوكا، وبعضكم مخدوما والآخر خادما، وقد جرت عادتكم أَن لا يُعْطِي من فضَّلهُ الله في النعمة مملوكه أَو خادمه ما يجعله مساويا له فيها، بل يعطيه شيئا يسيرًا، فإذا كانوا لا يحبون أن يجعلوا مماليكهم أو خدمهم مثلهم فى الرزق، مع أنهم مساوون لهم فى البشرية والمخلوقية لله والاستحقاق رزقه، فكيف يرضون أن يجعلوا شريكا مع الله مَلَكًا أَو بشرًا أو كوكبا أو صنما، ويسووه به -تعالى- في الأُلوهية والمعبودية، فى حين أنها مخلوقة له وليس لها من أمر نفسها أو غيرها شيء، فإن الأمر كله لله -تعالى- وختم الله الآية بتوبيخهم على إنكارهم لنعمه بهذا الإشراك فقال: