هذه الآية انتقال من أَوصاف عباد الرحمن في أَنفسهم إِلى أَمانيهم فيمن يحبونهم، ويرتبطون بهم.
والمعنى: أَن من صفات عباد الرحمن أَلاَّ ينسوا وهم في شغلهم من عبادة الله، والانهماك في طاعته، لا ينسون أَهلهم، وأَولادهم، يتوجهون إِلى الله بالدعاءِ لهم، وطلب هدايتهم - وهذا شأْن الصالحين من الآباء، بل إِن من الآباءِ من يقدم ولده على نفسه، ويؤثره بالخير له، وخير الآخرة عند الصالحين أَفضل ما يرجى للأَهل، والأَولاد، لأَنه الأَبقى، وإِن المؤمن إِذا ساعده أَهله وولده في طاعة الله؛ اشتد سرور قلبه، وقرت عينه، لما يشاهده منهم من مشاركتهم في مناهج الدين، وتوقع لحوقهم به في نعيم الآخرة، طمعا في عِدَةِ الله تعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ وقد ذكروا أَنه كان في أَول الإِسلام يهتدى الأَب والابن كافر، ويهتدى الزوج والزوجة كافرة، فلا يطيب عيش ذلك المهتدى، فكانوا يدعون هذا الدعاء.
ولهذا كان من الصفات التي امتدح الله بها عباده أَنهم يتجهون إِليه بالدعاءِ لصلاح أَزواجهم وذرياتهم، يقولون: ربنا ارزقنا وهب لنا من أَزواجنا وذرياتنا ما يسرنا وتقر به أَعيننا من توفيقهم للطاعات، واحتيازهم للفضائل التي هي غاية ما نرجوه لصلاح ديننا ودنيانا، أَما زهرة الدنيا وزينتها فلا تغلبنا على أُخرانا.
ثم يعودون إلى أَنفسهم بالدعاءِ لها بقولهم: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾: أَي اجعلنا بحيث يقتدى بنا المتقون، في إِقامة مراسم الدين بتعلم العلم، والتوفيق في العمل.
وعن مجاهد: اجعلنا قاصدين للمتقين، مقتدين بهم، وهذا المعنى: مبنى على أَن (إِمَامًا): جمع آمٍّ، بمعنى: قاصد، والمعنى الأَول أَوفق، وفيه - على المعنى الأَول - أَن الرياسة في الدين؛ ينبغي أَن تطلب لمن يأَنس في نفسه حسن القيام بها، وتحقيق مقتضاها بعدل وأَمانة.