﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾: أَي لا يستحق الانتساب إليهم، لانقطاع الولاية بين المؤْمن والكافر. ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾: أي إِنه صاحب عمل فاسد، فلا ينسب إلى أَهلك الذين سبق الوعد بإنجائهم. ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾: إِنى أُحذرك أن تكون من جملة الجاهلين بسؤالك نجاة ولدك الكافر.
تقدم في الآيات السابقة بيان أَن نوحا دعا ولده هذا إلى أَن يركب معه السفينة، ولا يتخلف مع الكافرين حتى لا يهلك بهلاكهم، وأنه أجابه بأَنه سيأْوى إِلى جبلٍ يعصمه من الماءِ، وأن أَباه أَفهمه أنه لا عاصم من الغرق، إِلا الله الذي رحم المؤْمنين ركَّاب السفينة، وأَن الموج حال بينهما فانقطع الحديث، وكان هذا الولد من المغرقين.
وظاهر هذه الآية أن نوحا أراد بقوله: - ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ الخ أن يطلب من الله تعالى نجاته من الغرق بالطوفان، فكيف يطلب ذلك بعد غرق ولده، لأَنه من الكافرين المغرقين.
ويجاب عن ذلك، بأَن نوحا لم يكن رآه يغرق، وأَنه ربما ظن أنه نحا باللجوءِ إلى جبل، أَو أَنَّ كفره لم يكن مُؤكدًا لديه، ولذا قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾. ولم يكن يظن أَنه ممن سبق عليه القول بالغرق في قوله - سبحانه -: ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾.
وأُجيب بغير ذلك وحسبنا ما ذكرناه.
والمعنى: ودعا نوح ربه قائلا: يا رب إن ابنى من أهلى، وقد وعدت أن تنجيهم فما حاله؟ أو فما له لم ينج؟ ويجوز أن يكون هذا النداءُ قبل غرقه - كما قال البيضاوى (١).
أي وإِن كل وعد يصدر عنك يا رب هو الحق فلا يتطرق إِليه الخُلْف، وقد وعدت أن تنجى أَهلى، وأَنت أَعدل الحاكمين، فلعلك يا ربى نجيته، وقضيت بنجاته.
(١) وتفصيلا لما أجمله البيضاوى نقوله: الواو في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ﴾ الخ لمجرد العطف لا تفيد ترتيبا ولا تعقيبا، وإِنما أخر إِلى تمام قصة السفينة ونجاتها بركابها المؤمنين، تقديما للأهم على المهم كما قدم في قصة البقرة أمر ذبحها واختلافهم في صفاتها، على ذكر السبب فيه وهو اختلاقهم فيمن القتيل، فراجعها هناك لتعرف سر تقديم العجز على الصدر.