المعنى: أقعد الكفرة المكذبون برسالتك ولم يسيروا في الأرض فينظروا ما آل إليه حال من قبلهم من الأمم المكذبة لرسلهم كعاد وثمود وأمثالهم. كانوا هم أشد منهم قوة وتمكنا في التصرفات، وأقوى آثارًا في الأرض مثل: القلاع الحصينة، والمدائن القوية، وقد حكى الله عن قوم منهم: أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا مما لا يقدر عليه هؤلاء كما قال تعالى ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ (١) ومع هذه القوة العظيمة، والبأس الشديد لم يتركوا يمرحون، بل حقت عليهم كلمة الله، فأخذهم أخذا وبيلًا. تركهم أثرًا بعد عين، وما كان لهم واق من الله يمنع عنهم العذاب الذي حل بهم، ويقيهم منه، وأريد بذلك التنبيه على عجز شركائهم عن إنقاذهم من الهلاك.
أي: سبب ذلك الأخذ البالغ الغاية في الشدة أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالمعجزات البينة، والأحكام الواضحة التي تنير لهم طريق الحق. فقابلوهم ريثما أتوهم بالإعراض والكفر. فأهلكهم الله، ودمَّر عليهم بسبب ما صنعوا؛ لأنه - سبحانه - متمكن مما يريده غاية التمكن قادر عليه.