للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتواضعا وتذللا لهما، كالطائر يخفض جناحه شففة كل أولاده.

﴿الْأَوَّابِينَ﴾: الرجاعين التائبين.

[التفسير]

٢٣ - ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾:

بعد أن نهى الله كل مكلف عن أن يجعل مع الله إلها آخر؛ لأنه لا رب سواه أَتبع ذلك بيان أن الله قضى أمرا قاطعًا ألا يعبدوا إلا الله، وأن يحسنُوا إلى والديهم ..

والمعى: أمر ربك يا محمد أن يوحده عباده بالطاعة ولا يشركوا به أحدًا فهو ربهم وخالقهم ومدبر أمرهم، وصاحب الآلاء والنعم التي ينعمون بها، يدركون بعضها ويخفى علي كثير منهم معظمها، ويعييهم ويعجزهم عدها وحصرها، ونواصيهم بيده ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فمن خطل الرأى - إذن - وسوء التقدير أن يشركوا - معه إلها آخر، لا يضر ولا ينفع، ولا يملك من أمر نفسه موتا ولا حياةً ولا نشورًا.

﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾: وكما حكم وألزم الأولاد أن يحسنوا إلى والديهم بالقول الطيب والرعاية التامة والقيامِ بشأنهما، فهما أحق الناس بحسن الصحبة، ورضا الله في رضاهما وسخطه في سخطهما.

﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي إذا تقدمت بهما أو بأحدهما السن وانتهيا إلى ضعف بعد قوة، ومرض بعد صحة ولم يستطيعا القيام علي أمرهما، وتدبير شأنهما لما أصابهما الكبر من وهن الجسم وإِلحاح العلة وضعف التفكير وتلك الحال مظِنة أن يصدر منهما ما يغضب أو يثقل على النفوس، أو يعوق عن سعى في الدنيا أو يكثر النفقة ويرهق الأُسرة ويشق عليها - إن حدث ذلك - فلا تقل لوالديك الكبيرين أو لأحدهما ما يدل علي ضجرك، أو يسيء إليهما، من قول بعيد عن حسن الأدب، أو فعل لا يليق من الولد لأبيه، فقد غذاه مولودًا، وعاله يافعًا، وسهر ليله لسقم أصابه، أو مرض ألمَّ به، أيكون جزاء هذا الأب الحاني غلظة القول وجفاء الخلق؟ أو يكون جزاء الأم الرؤوم أن تقابل بما يكسر قلبها، ويثير ألمها وينال من كرامتها، وهي التي كان بطنها له وعاء، وثديها