لما توعد الله العصاة بأنه سيجازيهم على أعمالهم، حسبما تضمنه قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾ - بين هنا، أن هذا الجزاءَ يقوم على العدل، ولا يكون فيه أدنى ظلم.
والمعنى: أن الله لا يظلم الناس شيئًا وإن قل؛ لأنه تعالى منزه عن النقص. والظلم نقض لا يليق به سبحانه. فهو لا يبخس الناس شيئًا من الأَجر، ولا يحملهم ما لم يرتكبوا من الوزر، ولو كان أقل القليل.
واقتضت رحمته ألا يجزىَ على السيئة إلا بمثلها، وأن يضاعف ثواب الحسنة إلى عشر أمثالها، إِلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، حسبما يعلم من حال العبد. والله يختص برحمته من يشاء.
﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾:
أي: أنه يعطي عبده ثوابا عظيمًا، لا يعرف مقداره إِلا هو سبحانه.
المعنى: في هذه الآية تهويل تعجبي، وتحذير من أَهوال يوم القيامة.
أي: كيف يكون حال هؤُلاءِ، إِذا جاءَ ذلك اليوم، وجيء بالنبيين ليشهدوا على أممهم بما فعلوا في الدنيا، وجئنا بك - يا محمَّد - على هؤُلاء، أو على أمتك شهيدًا، وعلى هؤُلاءِ الرسل: بأن تزكى شهادتهم، وتقرر أنهم قاموا بتبليغ أممهم، حسبما أخبرك الله فيما أوحاه إليك!!
لا شك أنهم يكونون في حال يُرثى لها.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي ﷺ: "اقْرَأْ عَلَيَّ. قُلْتُ: أَقْرَأ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أنزِلَ؟ قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غيري، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءَ حَتى بَلَغْتُ قَوْلَه تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ قَالَ: أمْسِكْ … فَإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ (١) ".