﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾: أي أصحاب نجوى يتناجون فيما بينهم بالافتراء والإثم، والنجوى هي حديث السر بين من يَخْلُون بأنفسهم ليتناجوا في خفية وإسرار. ﴿رُفَاتًا﴾: والرفات الأجزاء المفتتة من كل شيء ينكسر، وقيل الرفات والفتات ما تكسر وتفرق من التبن ونحوه، والمراد هنا - والله أَعلم - ما تصير إليه أَجسادهم من التفرق بعد الموت.
أي فإذا قرأت يا محمد القرآن تدبرا وعبادة لله، وإرشادا وتعليما لقومك، جعلنا بينك وبين المشركين الكافرين بالآخرة حجابا ساترا، يمنعهم أن يدركوا ما أنت عليه من النبوة والرسالة وجلال القدر وعظيم المكانة، حتى اجترءوا عليك ونسبوا إليك نقائص وعيوبا أَنت منها برئ، ومن ذلك قولهم: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾.
هذه الآية مفسرة للحجاب المستور الذي جاءَ في الآية السابقة، وكأنه قيل:
وذلك الحجاب المستور هو أنا جعلنا على قلوب هؤلاء المشركين أكنة وأغطية تمنعهم من فقه القرآن، والوقوف على كنهه، كما أَصبنا آذانهم بالصمم والثقل العظيم ليجول بينهم وبين سماعهم لكتاب الله سماع لائقا به، فإنهم كانوا يسمعونه سماع استهزاء وسخرية لا سماع تأمل وتدبر، وهذا المنع كان جزاء لهم على إعراضهم، فلم ينعموا بنعمة الاهتداء إلى القرآن، لإصرارهم على الجحود والإنكار.
﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾: أَي وإذا سمعك هؤلاء المشركون تقرأ من القرآن الكريم ما ينطق بتوحيد الله وتسبيحه، أَدبروا وفروا هروبا وانزعاجا من سماعه، لأنه ينفرهم من أَصنامهم - وينهاهم عن عبادتها مع الله تعالى.