أي: ولو أن أصحاب الكتاب - مع ما اقترفوه من أنواع الجنايات قولا وفعلا - آمنوا بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وبما جاء به، وحفظوا أنفسهم من عقاب الله بترك الكفر، وسائر المنكرات التي حكاها القرآن عنهم، وأقبلوا على طاعة الله تعالى بصدق وإخلاص، ولم يأتوا بالإِيمان نفاقًا لغَرضٍ من أغراض الدنيا - لو آمنوا على هذا النحو- لرفع الله عنهم عقابَ ما ارتكبوه من الجرائم، وإن بلغت غاية القبح ومنتهى الكثرة والشناعة. ولأكرَمَهُم بإدخالهم جناتِ النعيم دخولا مؤَكدا، على كثرة ما سبق من معاصيهم.
إذ الإِسلام يزيل آثار كل ما سبقه من الذنوب والآثام وإن كثرت وجاوزت كل الحدود.
وتلك هي السعادة العظمى في الدار الآخرة.
وذِكْرُهم بأنهم أَصحاب كتاب، لزيادة التشنيع عليهم. إذ مقتضى ذلك: أَن يؤْمنوا بمحمد ﷺ هذا الرسول الذي عَرَفوه بوصفه في كتبهم.
ولَمَّا بينت الآية السابقة: أَنهم لو آمنوا لفازوا بسعادة الآخرة، جاءت هذه الآية تبين أَنهم لو وفوا بعهود الله، وأذاعوا صفة محمَّد ﷺ وأقاموا ما لا يتعارض مع القرآن من أَحكام التوراة والإنجيل، وآمنوا بسائر الكتب المنزلة إليهم من عند الله - لفازوا بسعادة الدنيا، وغمرتهم جنَّاتُها وعمتهم طيباتُها.
والمعنى: ولو أَن أَصحاب الكتاب عملوا بما في التوراة والإِنجيل من الوفاءِ بعهود الله وأَقروا باشتمالهما على صفة محمَّد ﷺ ودلائل بعثته، والتزموا بأحكامهما وحدودهما الصحيحة المتفقة مع القرآن المجيد، ولم يحرفوا الكلم عن مواضعه، والتزموا كذلك