للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى عن ابن عباس أَنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله عليًا ومعاذًا فبعثهما إلى اليمن وقال: "اذهبا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنه قد أُنزل عليَّ .. " وقرأَ هاتين الآيتين.

ومعنى الآيتين: يا أيُّهَا النبي إنا أرسلناك شاهدًا لله بالوحدانية وعلى من بعثت إليهم، تراقب أحوالهم وتشاهد أعمالهم، وتتحمل عنهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب، وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال، وتؤديها يوم القيامة أداءً مقبولا فيما لهم وفيما عليهم، كما جاءَ في قوله تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ وفي قوله سبحانه -: ﴿لتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (١) وشاهدًا على جميع الأُمم بأَن أنبياءَهم قد بلغوهم رسالة ربهم، طبقًا لما عرفته من القرآن العظيم، وأرسلناك مبشرًا للطائعين بالجنة ونذيرًا للكافرين والعصاة بالنار، وداعيًا إلى الإيمان باللهِ واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص، وإلى طاعته وفق شرعه بتيسيره ومعونته، وأرسلناك سراجًا منيرًا يستضاءُ به في ظلمات الجهالة والشبهات.

[كيف يتحمل الرسول الشهادة عن أمته]

يتحمل الرسول الشهادة عن المعاصرين له من أُمته بما لهم وما عليهم، أما مَنْ بعده فعن طريق عرض الأَعمال عليه كما جاءَ في الأحاديث الدالة على ذلك، ولكنه يعرف ذلك إجمالًا لا تفصيلا، روى أبو بكر وأنس وغيرهما أنه قال: "ليردَنَّ ناس من أصحابى على الحوض حتى إذا رأَيتهم وعرفتهم اختلجوا دونى، فأَقول: يا رب أصيْحابي أُصيْحابي، فيقال لي: إنك لا تعرف ما أحدثوا بعدك".

٤٧ - ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾:

معطوف على مقدر يقتضيه المقام، أي: فراقب أحوال أُمتك، وبشر المؤمنين منهم بأَن لهم من الله فضلا كبيرًا على سائر الأُمم، أو جزاءً جزيلا تفضل الله به عليهم في مقابل صالحات أعمالهم.


(١) سورة البقرة الآية: ١٤٣.