أشارت الآيات السابقة على هذه الآيات إلى إنكار المشركين أَمر البعث، واستبعاد حصوله. فجاءَت هذه الآيات تبرز قدرة الله - تعالى - في معرض فضله على أنبيائه بما لا يمكنهم إنكاره بعد أَن فاضت به أَخبارهم وأَشعارهم. وفي ذكر ذلك بعد ذكر تكذيب المكذبين للنبي ﷺ ما يشير إلى صدق رسالة محمَّد ﷺ وأن إرساله لم يكن بدعًا، بل كان مما جرت به سنة الله قبله في الأَرض من إرسال الرسل قبله وتأْييدهم بالمعجزات. وإحلال العقاب بمن خالفهم.
والمعنى: ولقد آتينا وأَعطينا داود من عندنا نعمة وإحسانا، لحسن إنابته وصدق توبته بما منحناه من الملك، وفصل الخطاب، وغير ذلك، وقوله تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ تَفْصِيل لبعض الفضل الذي أَعطاه الله إياه، ومعناه: يا جبال رجعي معه التسبيح كلما سبح. روى أَنه ﵇ كان إذا سبح سبَّحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها، ولا يعجز الله - جلت قدرته - أَن يجعلها بحيث تسبح بصوت يسمع - وقد سبح الحصى في كف رسولنا ﵊ وسمع تسبيحه، فلا يبعد ما قيل: من أَن الله ﷿ خلق فيها الفهم وناداها وأمرها بذلك كما ينادي أُولي الفهم ويأْمرهم، وأنها امتثلت ما أُمرت به. وقيل: المعنى ارجعي إلى مراده فيما يريد من حفر واستنباط أَعين، واستخراج معدن وإنشاء طريق، وقوله تعالى: ﴿وَالطَّيْرَ﴾ معناه: وسخرنا له الطير؛ لأَن إيتاءَها إياه ﵇ هو تسخيرها له، وفي تنزيل الجبال والطير منزلة العقلاء المطيعين لأمره المذعنين لحكمه، ما يشعر بأَنه مَا مِنْ حيوان ولا جماد، ولا صامت ولا ناطق، إلا وهو منقاد إلى مشيئة الله - تعالى -