المراد بهذين الخصمين اللذين اختصموا في ربهم: فريق المؤمنين، وفريق الكافرين المنقسم إِلى الفرق الخمس التي ذكرت عطفا على المؤمنين في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ وقد أُريد بهما ذلك تعيينا لطرفى الخصام وتحريرًا لمحله، وإِزاحة لما عسى أَن يتبادر إِلى الذهن من كون الخصام بين كل واحدة من الفرق الست وبين البواقى، وروى عن مجاهد والحسن وعطاءِ بن رباح وعاصم بن أبي النجود والكلبي ما يؤيد ذلك من أَنهما فريقا المؤمنين والكافرين، وهذا يتفق مع ما روى عن ابن عباس من أَن الآية رجع إِلى الأَديان الستة المذكورة في الآية التي أُشير إِليها سابقًا. وبه يتبيَّن كون الفصل السابق بين المؤمنين ومجموع مَن عطف عليهم من الفرق الخمس الكافرة.
ومعنى اختصامهم في ربهم: اختصامهم في شأْنه ﷿ فيما يتعلق بذاته وصفاته، وفيما يليق به وما لا يليق، فآمن به على ما ينبغي فريق وكفر فريق، ولما كان كل خصم يجمع طائفة جاءَ (اختصموا) بصيغة الجمع، واعتقاد كل من الفريقين حقِّية ما هو عليه، وبطلان ما عليه الفريق الآخر، وبناءُ كل منهما أَقواله وأَفعاله على اعتقاده، يكفى في تحقيق خصومته للفريق المقابل له، وإِن لم يجر بينهما الجدل والخصام على سبيل المواجهة.
وحمل الآية على العموم المذكور لا ينافى ما قيل من أَنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ﵃، وعقبة وشيبة ابنا ربيعة