للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٥١ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ … ﴾ الآية.

روى ابن أبي حاتم، عن عكرمة: أن حيي بن أَخطب، وكعب بن الأشرف اليهوديين، خرجا إِلى مكة في جماعة من اليهود؛ ليحالفوا قريشًا على محاربة رسول الله ، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه. فقال لهم كفار قريش: أنتم أهل كتاب، وأنتم أَقرب إلى محمَّد منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا، حتى نطمئن إليكم .. ففعلوا …

فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت؛ لأنهم سجدوا للأصنام، وأطاعوا إبليس فيما فعلوا.

وقال أَبو سفيان لكعب: إنك امرؤٌ تقرأ الكتاب، وتعلم ونحن أُميون لا نعلم، فأينا أهدى سبيلا: نحن أم محمد؟! فقال: ماذا يقول محمَّد؟ قال: يأْمر بعبادة الله وحده، وينهي عن الشرك. قال: وما دينكم؟. قالوا نحن ولاة البيت: نسقي الحاج، ونقري الضيف، ونفك العاني. وذكروا أفعالهم. فقال: أنتم أهدى سبيلا. فنزلت.

وروى - من غير وجه - نحو ذلك.

وهذه الآية: تعجيب من حال أخرى من أحوال أهل الكتاب، وتوبيخ لهم على ارتكابهم جريمة من أشنع الجرائم، وهي سجودهم للأصنام، وشهادتهم بأن عَبَدَةَ الطاغوت أحسن دينا من أهل الإِسلام. على الرغم من أنهم أهل كتاب، وأَعْرَف من غيرهم بالدين الصحيح.

والمعنى: أَلم ينته علمك يا محمد - أو كل من يستحق أن يخاطب - إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، ورزقوا حظا منه، وإلى حالتهم العجيبة الداعية إلى الدهشة والعجب، وهي أنهم - مع كونهم أهل كتاب - يؤْمنون بالأَصنام، ويطيعون الشيطان، ويقولون في شأْن الذين آمنوا للذين كفروا - من أَجل محالفتهم - هؤُلاء الكفار الجاهليون: أهدى سبيلا، وأقوم طريقًا من الذين آمنوا بمحمد؟!.

فبين بذلك مناط التعجيب من حالهم.

يالَلْعجب من قوم: أهل كتاب، وأتباع رسل، يقولون عن المؤْمنين بمحمد: إن الكفار - من مشركي مكة - أَهدى منهم سبيلا؟!