بعد ما ثبت أَن القرآن من عند الله تعالى بعجزهم عن الإتيان بمثله، جاءت هذه الآية والتي بعدها لتبين أن من ينصرف عن العمل به إلى الاهتمام بالدنيا وحدها وترك العمل للآخرة، عاقبتُه الخسران المبين.
والمعنى: من كان كل همه ومقصده من وجوده الدنيوى التمتع بلذات الدنيا وما يتزين به فيها فيعمل للتمتع بملذاته فيها، دون أَن يهتم بلقاءِ الله تعالى والعمل للآخرة بالبر والإِحسان وتزكية النفس بالإِيمان والتقوى.
﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾: أَي نعطهم جزاء أعمالهم وافيًا في الدنيا، من الصحة والرياسة وسعة الرزق وكثرة الأولاد وغير ذلك، وهم فيها لا ينقصون شيئًا من أجورهم الدنيوية ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ثم بين الله تعالى عاقبة أمر هؤلاءِ في الآخرة فقال:
١٦ - ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: أَي أُولئك الذين لا يريدون إلا زينة الحياة الدنيا وبهجتها وإشباع غرائزهم فيها ولم تمتد أَبصارهم وأَعمالهم وآمالهم إِلى ما وراءَ هذه الحياة - أُولئك - ليس لهم في الآخرة مثوى إِلا النار؛ لأنهم استوفَوْا في الدنيا ما تقتضيه صور أعمالهم، وبقيت لهم أَوزار عقائدهم ونياتهم السيئة، وبطل ثواب ما صنعوه في الدنيا، لأنه لم يعمل لوجه الله تعالى، فلا نفع ولا خير لهم فيه قال تعالى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ (١).