أَخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في قوم من أَهل مكة أَسلموا وأَرادوا أَن يأتوا النبي ﷺ فأَبى أَزواجهم وأَولادهم أَن يدعُوهم فلما أَتوا رسول الله ﵊ فرأَوا الناس قد فقهوا في دينهم هَمُّوا أَن يعاقبوهم فأَنزل الله الآية وفي رواية أُخرى عنه أَنه قال: "كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأَته وولده فيقول: أَما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأَفعلن ولأَفعلن فجمع الله ﷿ بينهم في دار الهجرة فأَنزل الله - تعالى - الآية.
وهذا وإِن كان سبب نزول تلك الآية فالعبرة بعموم لفظها لا بخصوص سببها؛ فتشمل كل زوج وولد يلحق الضرر بزوجه أَو بوالده، وهذا ولا نزال نسمع ونرى من الأَزواج أَزواجًا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم، ويجلبن عليهم الشر والضرر، ومن الأَولاد أولادا يعادون آباءَهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأَذى، وكما أَن الرجل يكون له ولده وزوجة عدوًا كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوًا بهذا المعنى بعينه وقيل: إِن عدواتهم من حيث أَنهم قد تحملهم مودتهم والحرص عليهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة الأَزواج والأَولاد إِلى ذلك قوله ﷺ: (يأتي زمان على أُمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك (فَاحْذَرُوهُمْ) أَي: كونُوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرورهم (وَإِنْ تَعْفُوا) عن ذنوبهم وتتجاوزوا عن سيئاتهم التي تقبل العفو بأَن تكون متصلة ومتعلقة بأُمور الدنيا كإضاعة المال ونحوه، أَو مرتبطة بأُمور الدين كالعقوق وسوء العشرة وترك مأمور به أَو فعل منهي عنه ولكن أَعقبتها التوبة والعفو يكون بترك العقوبة (وَتَصْفَحُوا) أَي: تعرضوا عن هذه الخطايا بترك التعيير بها والتأنيب والتثريب عليها (وَتَغْفِرُوا) أَي: تستروها بإِخفائها وتغطيتها تمهيدًا لنسيانها حتى لا يؤدي التذكير بها إلى العودة إِليها والتمادي فيها (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ