يقول الله ﷾ مسليًا لنبيه ﵊: مثل هذا الشأن كان شأن الأمم السابقة مع رسلهم: فكما قال لك هؤلاء المشركون من أهل مكة قال مثله المشركون الأوَّلون لرسلهم، فهذه شِنْشِنَةُ المكذبين وتلك سمة الكافرين.
وفي البحر:(أو) للتفصيل، أي: قال بعضهم: هو ساحر، وقال بعض: هو مجنون، وقال بعض: هو ساحر ومجنون، فجمع القائلون في الضمير، ودلَّت (أو) على التفصيل.
واستشكلت الآية بأن قوله - تعالى -: (إلاَّ قالوا) يدل على أَن الّذين من قبلهم كلهم كذبوا مع أنه ما من رسول إلا آمن به قوم، وأجاب الإِمام بأن إسناد القول إلى ضمير الجمع على إرادة الكثير بل الأكثر، وذكر المكذب فقط؛ لأنه الأوفق بغرض التسلية.
المعنى: أتواصى الأوَّلون والآخرون بهذا القول؟ أي: أوصى بعضهم بعضًا بهذا القول حتى قالوه جميعًا متفقين عليه؟
وهؤلاء وأولئك لم يتواصوا به في الحقيقة؛ لأنهم لم يلتقوا في زمن واحد بل هم قوم طغاة متجاوزون للحدّ خارجون عن طاعة الله تشابهت قلوبهم. فقال متأخرهم كما قال متقدمهم، جمعهم المقصد الواحد وتلاقوا في الطَّعن علي الرسل، والحامل لهم على هذا القول هو الطغيان والعناد والتَّمرُّد والتكذيب لرسالات السماء.
(١) أصل الذنوب: الدلو العظيمة الممتلئة ماء، أو القريبة من الامتلاء، قال الجوهرى: لا يقال لها ذنوب وهي فارغة، وتذكر وتؤنث، وجمعها أذنبة وذنائب فاستعيرت للنصيب مطلقا شرا كان النصيب أو خيرا، وفي الكشاف: هذا تمثيل، أصله في السقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب (١ هـ: آلوسى ص ٢٤).