للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورأَى بعض آخر من المفسرين أن المراد بالذين شقوا هم الكفار، وأَن المراد بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ إلا الوقت الذي شاء الله فيه أن ينقلوا من عذاب النار إلى عذاب آخر كالزمهرير وغيره، فأمرهم دائر بين التعذيب بالنار والتعذيب بغيرها ولا أمل لهم في انقطاع العذاب عنهم بأى وجه، أو إلا الوقت الذي يتوقفون فيه في الموقف للحساب، وقيل الاستثناء ليس من خلودهم في النار، بل من قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾.

والمعنى على هذا: فأَما الكافرون الذين شقوا بكفرهم ففي النار لهم فيها زفير وشهيق حال خلودهم الأبدى فيها، لا ينقطع زفيرهم وشهيقهم إلا ما يشاؤها الله، يكون تعبيرهم فيها عن كربهم بغير الزفير والشهيق.

ونقل القرطبي في الوجه الرابع في تفسيره لها عن ابن مسعود أنه قال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ لا يموتون فيها ولا يخرجون منها ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ﴾ وهو أن يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم، ثم يجدد خلقهم ليتجدد تعذيبهم. ولعله استمد هذا الرأي من قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ (١).

تلك خلاصة الآراء المشهورة في تفسيرها، وفيها آراءٌ ومباحث أخرى. فليرجع إليها في المطولات من شاء المزيد.

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)

[المفردات]

﴿سُعِدُوا﴾: بضم السين قراءة الأعمش وحفص والكسائي، قال الثعلبى: أي رزقوا السعادة، يقال سُعِد وأُسْعِدَ بمعنى واحد، وقرأَ الباقون بفتح السين على أسلوب شقوا.

﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾: أي غير مقطوع عنهم.


(١) سورة النساء، من الآية: ٥٦