للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٠٧ - ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ الآية.

المراد من السموات والأرض سماوات اليوم الذي يجمع له الناس وأَرضه، فإِن دوامها باق لا نهاية له، أما سماوات الدنيا وأرضها فهى زائلة، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾. (١) فلا معنى للتوقيت بدوامها لعدم وجودها يوم عقابهم وهو يوم القيامة ومن المفسرين من فسرها بسماوات الدنيا وأَرضها، وقال إنه ليس الغرض من النص الكريم ربط خلودهم بدوام سموات الدنيا وأَرضها التي تزول والتى لا تكون موجودة يوم القيامة بل المراد التأبيد ونفى الانقطاع، مخاطبة لهم بالأسلوب الذي اعتادوه في هذا الصدد، كقول أحدهم لا أفعل كذا ما لاح كوكب، فإِنه لا يقصد أنه لا يفعله ليلا مدة ظهور الكواكب ولكن يفعله نهارًا، بل يقصد أنه لا يفعله أَبدا، ثم قال: أَما إحالة التأبيد على دوام سماوات الآخرة وأرضها، فهى إحالة لهم على شئ لا يعرفونه بل ينكرونه، لأَنهم لا يعترفون بالآخرة، كما حكاه الله عنهم بقوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (٢).

والظاهر من الآية هو الوجه الأول، فإِنهم كما ينكرون الآخرة ودوام سماواتها وأَرضها ينكرون وعدها ووعيدها، ولكن هذا الإِنكار لا يمنع أَن يتوعدهم الله بعذاب الآخرة، ويصف لهم أهوالها لعلم يرجعون.

﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾:

ظاهر هذا الاستثْناء أَنه تعالى يشاءُ خروج الأشقياء من النار، وأن خلودهم فيها ينقطع عند هذه المشيئة، وقد حمل هذا التوهم بعض المفسرين على أَن يقول: إن المراد بالذين شقوا، الذين ارتكبوا ما يشقيهم ولا يسعدهم سواءٌ أَكانوا كفارا أَم مؤْمنين عصاة، ويحمل الاستثناء عند صاحب هذا الرأى على عصاة المؤْمنين، وكأنه قيل: فأما الذين شقوا بكفرهم أو معاصيهم، ففي النار خالدين فيها أَبدا إلا من شاء ربك عدم خلودهم من عصاة المؤْمنين. (٣)

﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾:

فلا يمنعه أحد من العفو عنهم لإِيمانهم بعد ما عذبوا على ذنوبهم.


(١) سورة إبراهيم، الآية: ٤٨
(٢) سورة المؤمنين، الآية: ٣٧
(٣) والاستثناء على هذا عن الضمير المستكن في خالدين، ولفظ (ما) بمعنى من، كما في قوله تعالى "والسماء وما بناها" أي ومن بناها.