شروع في إنكار موالاة المنافقين لليهود، وتعجيب من حالهم وهو خطاب للرسول ﷺ وإلي كل من يتأتى منه النظر.
والمعنى: ألم تنظر أيها الرسول إلي حال المنافقين الذين كانوا يتخذون اليهود أولياء يناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، فإن حالهم ليدعو إلي العجب، حيث إنهم يوالون قوما غضب الله عليهم وهو اليهود (مَا هُمْ مِنْكُمْ) معشر المؤمنين (وَلا مِنْهُمْ) أي: من القوم المغضوب عليهم؛ لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك كما قال: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ﴾ (١) وجملة ﴿مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ﴾ مستأنفة أَو حال من فاعل تولوا.
وجوز ابن عطية أن يكون هم في (مَا هُمْ مِنْكُمْ) لليهود، وضمير (وَلا مِنْهُمْ) للمنافقين وعلى ذلك يكون المعنى: ألم تر إلي الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم ما هم أَي: القوم المغضوب عليهم منكم ولا من المنافقين الذين تولوهم فيكون فعل المنافقين على هذا أَخس؛ لأَنهم تولوا قومًا مغضوبًا عليهم ليسوا من أَنفسهم فيلزمهم ذِمَامهم ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صوابًا.
(وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أَي: ويحلف المنافقون على الكذب وهو قولهم: والله إِنا لمسلمون، أَو على أَنهم ما شتموا النبي ﷺ على ما روي أَنه كان جالسًا في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال: إِنه سيأتيكم إِنسان ينظر إِليكم بعين شيطان فإِذا جاءَكم فلا تكلموه. فلم يلبثوا أَن طلع عليهم رجل أَزرق فقال ﵊ حين رآه: علام تشتمني أَنت وأَصحابك، فقال: ذرني آتك بهم. فانطلق فدعاهم فحلفوا فنزلت، خرجه الإِمام أَحمد وغيره.