للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" (١)، فتموت حينئذ كما يموتون، مصداقا لقوله تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ". (٢) ولن أُؤخرك إِلى يوم البعث كما طلبت لِتفِرَّ من الموت كما أَردت. وهنا سؤلان؛ أَحدهما: كيف كلَّمهُ الله؟ وثانيهما: كيف أَجابه الله إِلى ما سأَل مع أَن فيه شقاءَ خلقه؟

والجواب عن الأَول: أَنه تعالى كلَّمهُ على لسان ملك يبلغه، أَو كلمه وهو يسمع تغليظا عليه، وتشديدًا في الوعيد. وليس على وجه التكريم والتقريب.

والجواب عن الثاني: أَنه تعالى منحهم ما من شأْنه حمايتهم من شره، وهو نور العقل، ودوافع الخير، وآيات الهدى، ودعاة المثل العليا من النبيين والمرسلين والصديقين، فهذه العوامل تمثل في الروح أَسباب المناعة الخُلُقِية، كما تمثل الكُرَاتُ البيضاء في الدم أَسباب المناعة من الأَمراض الجسدية، وصدق الله تعالى إِذ يقول في سورة العنكبوت: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)﴾.

ولقد أَدرك الشيطان قيمة الحماية التي منحها الله عباده، فاعترف بها إِثر وعيده وذلك ما يحكيه الله بقوله:

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)

[المفردات]

(بِمَا أَغْوَيْتَنِي): بسبب إِغوائك إِياى، والمراد من إِغواء الله إِياه قضاؤه عليه بالْغواية بسبب تكبره وعدم خضوعه لأَمره تعالى. (الْمُخْلَصِينَ): الذين أَخلصتهم لطاعتك.


(١) سورة الزمر من الآية ٦٨
(٢) سورة الرحمن الآية ٢٦