لا يزال الكلام موصولا في أهل الكتاب، وبيان أحوالهم. ففي هذه الآية: يبين الله أن أهل الكتاب لم يكونوا - في المعاملة المالية مع العرب - على خلق واحد.
فمنهم أُمناء يؤَدون الحق إلى من استأمنهم عليه ولو كان مالا كثيرًا، كعبد الله بن سلام، استودعه عربي قرشي ألفًا ومائتي أُوقية ذهبًا - حين كان ابن سلام على يهوديته - فلما طلبها القرشي، أداها إليه كاملة.
ومنهم خَوَنَةٌ يجحدون أمانات العرب التس استأمنوهم عليها - ولو كانت مالا قليلا - ولا يؤَدونها إلا بتكرار المواجهة والمطالبة. زاعمين: أن الله أحل لهم سلب أموال الأُميين، إذ يقولون:
(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ): أي ليس علينا إثم في أكل أموالهم. فلا حساب ولا عقاب من الله تعالى لهم. وهم - إذ يقولون هذا - يكذبون على الله تعالى، عن عمد وعلم بأنهم كاذبون.
ومن هؤُلاء - رجل اسمه فنحاص بن عازوراءَ استودعه قرشي آخر دينارًا فجحده.
وقد استفيد من الآية: أن الخيانة في الأمانة من أخلاق هؤُلاء، ولهذا يجب أن يتنزه عنها المؤمنون: امتثالا للمنهج الكريم الذي أوجب الله علينا نهجه وسلوكه: "إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا … "(١).