للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال رجل لابن عباس: "إنا نصيب - في العمد من أموال أهل الذمة - الدجاجة والشاة، ونقول: ليس علينا في ذلك بأس .. فقال له: هذا كما قال أهل الكتاب: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا عن طيب أنفسهم". اهـ.

كما لا يصح لمسلم أيضًا: أن يتصف بالخيانة مع من خانه. قال : "أَدِّ الأَمانةَ إِلَى مَنِ ائتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك" (١). والله تعالى يقول: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا" (٢).

قال القرطبي: في الآية رد على الكفرة: الذين يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ غير تحريم الله وتحليله، ويجعلون ذلك في الشرع.

واستدل أبو حنيفة بالآية، على ما ذهب إليه من مشروعية ملازمة الغريم بقوله تعالى:

(لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا):

واعلم أن الآية جاءَت مثالا للإنصاف. فلم ترم اليهود جميعًا بالخيانة. بل ذكرت أن فيهم بعض الأُمناء، إحقاقًا للحق.

٧٦ - ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾:

هذه الآية ردُّ لقولهم: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) وإيجاب للوفاء بالحقوق، وبيان لمحبة الله لأهل الوفاء.

والمعنى: بلى .. عليهم سبيل ومؤَاخذة في عدم رد الأمانات إلى أهلها: من أَوفى بعهده فأدى الحقوق لذويها، واتقى الله في أمره كله، فلم يخن الأمانة، ولم يكذب على الله، ولم يفعل سوءًا - فإن الله يحبهم لتقواهم ووفائهم، ويترتب على حبه لهم، منحهم أجزل الثواب.


(١) رواه البخاري في التاريخ. كما رواه أبو داود والترمذي والحاكم والطبراني.
(٢) المائدة: ٨.