بينت الآيات السابقة دلائل قدرة الله في السماوات والأَرض وأَنها، آيات لأَصحاب العقول السليمة. الأَفهام المستقيمة على عظمة قدرة الله وحكمته، وأَن من هذا شأْنه فهو قادر على كل مقدور، وجاءَت هذه الآية للتعجب من إِنكارهم للبعث مع ما يشاهدون من المظاهر الكونية، ولإِنذارهم بالعذاب الدائم الذي لا غاية له جزاءِ تكذيبهم. والخطاب في الآية للرسول أَو لكل من يصلحُ للخطاب من العقلاءِ.
والمعنى: وإِن تعجب من تكذيب المشركين بأَمر المعاد مع ماشهدوه من دلائل قدرة الله فعجب لا يوجد أَشد منه قولهم في إِنكارهم للبعث
هذا القول مشتمل على استفهامين من المشركين، يقصدون بهما أَقصى درجات الإِنكار، للعودة إِلى الحياة مرة أُخرى، حيث يخلقون خلقا جديدًا بعد أَن تحللت أَجسامهم، ونخرت عظامهم، وأَصبحوا ترابًا تذروه الرياح، ولو فكر هؤلاءِ المنكرون بعقولهم لعلموا أَن من قدر على إِنشاءِ تلك الكائنات وإِبداعها من تراب، فإِنه قادر على إِعادتها، بل الإِعادة في نظر القياس أَهون. وإِن كان كل شيءٍ أَمام قدرة الله سواءٌ. فهو الذي يقول للشيءِ كن فيكون.
وقد عقب الله هذه الجملة التي نعت عليهم تكذيبهم بقوله:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ): أَي هؤُلاءِ المكذبون للبعث هم الذين كفروا بربهم ولم يؤْمنوا به. إِذ لو آمنوا به وبأَنه خالق السماوات والأَرض -كما يجيبون إِذا سئلوا- لعلموا أَنه قادر علي بعث الأَجساد بعد استحالتها إِلى تراب تفرقت ذراته. فهم ليسوا أَشد خلقًا من السماءِ التي بناها ورفع سمكها وسواها، وأَغطش ليلها وأَخرج ضحاها.
ولما كان هذا الكفر مع وضوح الأَدلة أَمرًا منكرًا فظيعًا يستحقون عليه أَشد العقاب أَنذرهم الله ﷾ بقوله:(وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ): أَي أَن جزاءَهم يوم الحساب أَن يسحبوا إِلى النار بأَطواق في أَعناقهم تحقيرًا لهم وتسفيهًا.