قضى الله أزلا أن آدم سيكون خليفته في أرضه، فلذا منحه العقل والقوى والغرائز المختلفة التي تجعله وذريته صالحين لهذه الخلافة.
ومع أن تلك القوى التي منحها الله، ضرورية لعمارة الأرض والخلافة عن الله فيها، فهي قابلة لأن تستعمل في غير ما خلقت له من الخير، فكما أنها قابلة للصلاح وإلإصلاح، فهي قابلة للفساد والإفساد. وبما أن كثيرًا منهم- بسبب ذلك- سيقع في المعاصى، بارتكاب ما نهى الله عنه، فلذا أَراد الله أَن يعلمهم- عن طريق أبيهم آدم إذا وقعت منهم المعاصي- كيف يتوبون ويرجعون إِلى ربهم، حتى يتوب عليهم كما تاب على أبيهم. فلذا ابتلى آدم بالنهى عن الأكل من الشجرة فأخطأ، باغراه الشيطان ومساعدة غرائزه، فتلقى من ربه كلمات علَّمه بها: كيف يتوب ويرجع إلى ربه، فلما عمل بمقتضاها، تاب الله عليه. وكان ذلك لتعليم ذريته كيف يتوبون إذا عصوا.
ويؤيد هذا أن الله لم يغضب على آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض، بل كرمه وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وجعل له الأرض مستقرا، وجعل له ولذريته فيها معايش.
هذا إلى ما توحي به الآيات الكريمة، من أن الله فضل الإنسان بالعلم، فكلما ازداد علمه كان جديرا بخلافة الله في أرضه، وحمل أمانته بين خلقه، كما توحي بالسئولية الإنسانية، وأن من أخطأ استحق العقاب، ومن أطاع استحق الثواب، ومن تاب تاب الله عليه، وأن الإنسان لا يحكم في أمر وهو جاهل به.