لمَّا أعلم الله النبي ﷺ أنه منتقم له من أعدائه، وأقام لهم الحجة باستشهاد الأنبياء السابقين واتفاق الكل على التوحيد، أكد ذلك بقصة موسى وفرعون، وأنه دعاه وقومه إلى التوحيد، فلما كذبوه أغرقهم الله - تعالى -، كما فيه إبطال قولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ لأن موسى لم يكن لديه من زخارف الدنيا شيء ومع ذلك بعثه الله إلى فرعون وهو ملك جبار، وإلى قومه وهم أيضًا جبابرة - بعثه الله إليهم - ليدعوهم إلى التوحيد كما يدعو محمَّد قومه إليه، فليس الفقر بمانع من إرسال أصحاب النفوس الزكية برسالات ربهم.
والمعنى: ولقد أرسلنا موسى ﵇ مع أنه كان فقيرًا - أرسلناه - إلى ملك جبار هو فرعون، وإلى قومه: ولم تبلغوا أنتم يا أهل مكة شيئًا يذكر مما كانوا فيه من العظمة، فقال لهم: إني رسول رب العالمين إليكم، فلما جاءهم بآياتنا التسع (١) المؤيدة له، فاجئوا أول ما رأوها بالضحك استهزاء وسخرية ولم يتأملوا فيها، يوهمون أتباعهم أنها سحر وتخييل، وأنهم قادرون على إبطالها.
ولعلهم كانوا يضحكون من الآية الأُولى قبل أن يروا آثارها ويعلموا جديتها، فلما ابتلعت عصاه سحرهم لم يكن هناك سبب لضحكهم، وبخاصة بعد أن غمرهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، واتضح لهم أَنه حينما ينذرهم يقع إنذاره أن لم يسلموا، ولذا كانوا يتضرعون إليه ليزيل عنهم ما نزل بهم، كما سيجيءُ.