لما ذكر الحج والعمرة في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ شرع يبين اختلافهما في الوقت، فذكر أن أشهر الحج أشهر معروفات، لا يشكلن على الناس، فلا يصح الحج في غيرها، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، ولا يصح عند الشافعية الإحرام به قبل أَشهره، ليتمه في أَشهره، ويصح مع الكراهة عند الحنفية. أما العمرة: فجميع العام وقت للإحرام بها وفعلها.
﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ فمن ألزم نفسه في تلك الأشهر بالحج، فعليه أن يبتعد عن الرفث، وهو جماع النساء أو ذكره لهن، أو الكلام الفاحش مطلقًا، كما عليه أن يبتعد عن كل إثم يشوب عبادته، وأن يجتنب المجادلة لأَنها توغر صدور الرفقاء، والخدم وغيرهم، فإن الوقت وقت مودة وصفاءٍ وتسامح.
روى البخاري، عن النبي ﷺ أنه قال:"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أُمه".
ثم حث على فعل الخير عقب النهى عن فعل الشر، وحض على استعمال الكلام الحسن مكان القبيح، والتزام البِرّ والتقوى مكان الفسوق، والتمسك بالوفاق والأخلاق الحميدة مكان الجدال، فقال:
﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ وما دام يعلمه فإنه سيجازيكم عليه، فلا تدخروا وسعًا في عمله.
ذكر البخاري وأبو داود ﵄: أن أهل اليمن كانوا يحجون، دون أن يتزودوا من الطعام، ويقولون: نحن المتوكلون، ويسألون الناس الطعام، فنزلت هذه الآية. ولكنها غير مقصورة عليهم، إذ العبرة - كما يقرر الفقهاءُ - بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فالمعنى: وتزودوا أيها المسافرون بالطعام، واتقوا طلبه من غيركم والإثقال عليهم بذلك، فإن خير الزاد اتقاء الإثقال على الناس وإبرامهم، أو تزودوا للمعاد بإتقاءِ المحظورات فإن خير الزاد اتقاؤُها، وخافوا عقابي، يا أصحاب العقول الراجحة.