أَي ما صح وما استقام لأَهل المدينة ومن حولهم من الأَعراب المؤمنين أَن يتأَخروا عن تلبية دعوة رسول الله إِذا دعاهم إِلى الجهاد في سبيل الله ولا يؤثروا أَنفسهم على نفسه، بأَن يطلبوا السلامة بالتخلف عن الجهاد معه فعليهم أَن يصحبوه على البأْساءِ، والضراءِ، وأَن يكابدوا معه الأَهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأَن يلقوا من الشدائد ما تلقاه نفسه الشريفة، مع العلم بأَنها أَعز نفس عند الله وأَكرمها عليه، وذلك يقتضيهم أن يبذلوا أَنفسهم دون نفسه، وأَن يدافعوا عنه بأَنفة وحمية، لا أَن يتخلفوا عنه بغير عذر كما فعل بعضهم، قال ﷺ:"لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبّ إِلَيْهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين"(١).
ذلك الذي تقدم من وجوب مصاحبة الرسول في الجهاد وإِيثاره على أَنفسهم بسبب أَنهم لا يصيبهم شئٌ من العطش والتعب والمجاعة في طريق الجهاد من أَجل دين الله، ولا يمشون في مكان يغيظون فيه الكفار، بأَن يحلوا في أَرضهم، ويتصرفوا فيها تصرفا يضيق صدورهم، ولا يصيبوا من عدو إِصابة بقتله أَو أَسره أَو هزيمته أَو الغنيمة منه، إِلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح يستحقون به أَكرم الثواب.