روى ابن جرير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ … ﴾ في القوم الذين كانوا قد حرَّموا النساء والنَّوْمَ واللحْمَ على أَنفسهم، قالوا: يا رسول الله، كيف نَصنع بأَيماننا التي حلفناها؟ فأَنزل الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ … ) الآية.
وبهذا تتصل الآية بما قبلها.
ومعنى قوله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ أَي لا يؤاخذكم الله بالأَيمان التي تحلفونها بلا قصد، كما يقول الرجل في حلفه - من غير قصد ولا نية - لا والله، وبلى والله، مما يجرى على الأَلسنة من غير قصد. فلا مؤاخذة على هذه الأَيمان: بكفارة في الدنيا، ولا بعقوبة في الآخرة؛ لأَنها عادة لسان.
وقال مجاهد: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
فالذي يُكفِّرُ عَقْدَ اليمين - إذا أُريد الحنث فيها ممن حلف أَنه سيفعل كذا، أَو حلف أَنه لن يفعل كذا، ثم راجع نفسه فرأَى أن تنفيذ اليمين سَيَحْرِمُهُ خيرًا كثيرا - فعليه أن يَنْقُضَ يمينَهُ، وأَن يُكفِّرَ عنها. لما جاءَ في الصحيحين: عن أَبي موسى الأَشعرى، عن النبي ﷺ قال:"إني وَاللهِ - إن شَاءَ اللهُ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِين فَأرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلاَّ كَفرْتُ عَنْ يَمِينِى، وَأَتَيْتُ الَّذِي هوَ خَيْرُ".