للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

١٧٢ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ .... ﴾ الآية:

الربط جاء فيما سبق بيان أَخذ العهد على بنى إِسرائيل ليأْخذوا التوراة ويعملوا بما فيها، وفي هذه الآيات بيان أَخذ العهد على بنى آدم جميعًا ويدخل فيهم بنو إِسرائيل لتتأَكد مسئوليتهم عن عهدهم بدخولهم في العهد العام.

المعنى: واذكر يا محمَّد الوقت الذي أَخذ الله فيه العهد على ذرية آدم في عالم الغيب.

﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾: أَي طلب منهم أَن يعترفوا ويقروا بأَن الله ربهم ومالك أمرهم، وأَنه لا إِله إِلا هو، بعد أَن غرس في نفوسهم ذلك وفطرهم عليه، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (١) وفي الصحيحين: عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله "كل مولود يولد على الفطرة … " وبعد أَن هيأَهم الله لقبول ذلك وجَّه إِليهم الخطاب بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ فكان جوابهم أَن ﴿قَالُوا بَلَى﴾ أَي أَنت ربنا وحدك لا شريك لك، وبذلك الاستفهام التقريرى من الله بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ والإِجابة منهم بقولهم: (نعم) تَمَّ أَخْذُ الميثاق من الله على عباده.

﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾:

أَي: قال الله شهدنا عليكم بما اعترفتم به حتى لا ترجعوا يوم القيامة فيما أَقررتم به معتذرين بقولكم: إِنا كنا عن هذا العهد غافلين - أَي لا علم لنا به - ولا ندرى أَننا عاهدنا هذا العهد، ويجوز أَن يكون بنو آدم هم الذين قالوا ﴿شَهِدْنَا﴾ تأْكيدًا لموافقتهم على العهد بقولهم ﴿بَلَى﴾ فتكون هذه الشهادة من جملة مقول القول.

ويقول بعض المحققين: إن هذا العهد تمثيل لخلقه تعالى إِيَّاهم على الفطرة السليمة، الصالحة للاستدلال بالآيات الكونية على وجوده وربوبيته لهم، وأن ذلك هو معنى قوله : "كل مولود يُولد على الفِطْرة .. " الحديث.


(١) سورة الروم: من الآية ٣٠